أما في القانون الحديث فلم يعد هناك فرق بين العقد المسمى والعقد غير المسمى ، فكلاهما يتم بمجرد تراضى المتعاقدين إلا في العقود الشكلية وما بقي من العقود العينية .
وإذا كان بعض العقود يطلق عليه اسم (( العقود المسماة )) ، فليس ذلك كما
قدمنا إلا لأنها عقود نظمها المشرع تنظيما خاصاً ، نظراً لكثرة تداولها في العمل
إلى حد أن أصبحت قواعدها راسية مستقرة .
وسنرى ما هي العقود المسماة التي نظمها التقنين المدني الجديد. ونبادر هنا إلى القول بأن قائمة العقود المسماة تتطور من زمن إلى زمن بحسب ما يألفه الناس في التعامل .

أما
العقود غير المسماة – وهي التي لا يتولى المشرع تنظيمها – فإنها تخضع في أحكامها
للقواعد العامة في نظرية العقد ، شأنها في ذلك شأن العقود المسماة .
وقد
كان المشروع التمهيدي للتقنين المدني الجديد ( م 127 ) يشتمل على نص في هذا المعنى
يجري على الوجه الآتي : (( 1 – تسري على العقود ، المسماة منها وغير المسماة ،
القواعد العامة التي يشتمل عليها هذا الفصل . 2 – أما القواعد التي ينفرد بها بعض
العقود المدنية فتقررها الأحكام الواردة في الفصول المعقودة لها ، وتقرر قوانين
التجارة القواعد الخاصة بالعقود التجارية )) . وقد حذفت لجنة المراجعة هذا النص
لعدم الحاجة إليه ([4])
ومثل العقود غير المسماة أن يتفق شخص مع آخر على أن يثبت له ميراثاً يستحقه ، وعلى
أن يقوم بدفع المصروفات التي يستلزمها هذا العمل في نظير جزء من هذا الميراث يأخذه
إذا وفق في عمله ([5])
. أو يتفق شخص مع آخر على أن يبيع الأول لحساب الثاني شيئًا على أن يعطى الأول
للثاني بعد البيع مبلغاً معيناً ، وما زاد من الثمن على هذا المبلغ يحتفظ به لنفسه
([6]).
وعقد المحاسبة الذي أشرنا إلى وجوده في القانون الروماني هو أيضاً عقد غير مسمى ،
وكذلك العقد بين مدير المسرح والممثلين ([7])
.
وتكييف
العقد ، هل هو عقد من العقود المسماة أو
هو عقد غير مسمى ، قد يكون في بعض الحالات مسألة دقيقة . ولا عبرة بالألفاظ التي
يستعملها المتعاقدان إذا تبين أنهما اتفقا على عقد غير العقد الذي سمياه ، فقد
يكونان مخطئين في التكييف ، وقد يتعمدان أن يخفيا العقد الحقيقي تحت اسم العقد الظاهر كما في الوصية يخفيها الموصى تحت ستار البيع ([8])
على أن العقد – مسمى أو غير مسمى – قد يكون بسيطاً ، إذا لم يكن مزيجاً من عقود
متنوعة، كالبيع والإيجار . فإذا اشتمل على أكثر من عقد امتزجت جميعاً فأصبحت عقداً
واحداً ، سمى عقداً مختلطاً ( mixte, complexe ) ، كما في العقد بين صاحب الفندق والنازل فيه ( contrat d'hotellerie ) ، فهو مزيج من عقد إيجار بالنسبة إلى المسكن ، وبيع بالنسبة إلى
المأكل ، وعمل بالنسبة إلى الخدمة ، ووديعة بالنسبة إلى الأمتعة . وكذلك العقد بين
صاحب المسرح وأفراد النظارة مزيج من عقد إيجار بالنسبة إلى المقعد ، وعمل بالنسبة
إلى وسائل التسلية التي تعرض على المسرح . ومن الأمثلة على العقود المختلطة :
( 1 ) عدة عقود تمتزج في عقد واحد ، وذلك كمدير شركة يتولى إدارتها ويكون وكيلا عنها ، فيمتزج عقد العمل بعقد الوكالة . وقد يتوالى العقدان الواحد بعد الآخر ، كعقد نقل بحري يعقبه عقد نقل برى أو إيجار يقترن بوعد بالبيع .
(
[2]) وإن كان المشرع المصري قد
تناول في القانون رقم 254 لسنة 1954 الخاص بحماية المؤلف بعض المسائل الذي ينظمها
عقد النشر .
( 1 ) عدة عقود تمتزج في عقد واحد ، وذلك كمدير شركة يتولى إدارتها ويكون وكيلا عنها ، فيمتزج عقد العمل بعقد الوكالة . وقد يتوالى العقدان الواحد بعد الآخر ، كعقد نقل بحري يعقبه عقد نقل برى أو إيجار يقترن بوعد بالبيع .
( 2 ) إضافة شرط إلى العقد ليس من مقتضياته ، كما إذا التحق بعقد البيع شرط للتأمين أو التحق بعقد النقل شرط للتخزين .
( 3 ) الجمع بين عناصر متفوقة من عقود مختلفة ، كالعقد الذي يجمع بين الإيجار والبيع ( (Location – vente وكالوديعة في المصارف تدور بين الوديعة الناقصة والقرض ([9]) .
وليست
هناك أهمية كبيرة لمزج عدد من العقود وتسميتها جميعاً بالعقد المختلط ، فإن هذا
العقد إنما تطبق فيه أحكام العقود المختلطة التي يشتمل عليها . على أنه قد يكون من
المفيد في بعض الأحيان أن يؤخذ العقد المختلط كوحدة قائمة بذاتها ن وذلك إذا
تنافرت الأحكام التي تطبق في كل عقد من العقود التي يتكون منها ، ففي هذه الحالة
يجب تغليب أحد هذه العقود باعتباره العنصر الأساسي وتطبيق أحكام هذا العقد دون
غيره . فعقد التليفون عقد يدور بين عقد العمل وعقد الإيجار ، ولكن القضاء
(
[10]
)
غلب عنصر عقد العمل فرفض دعوى إعادة وضع اليد التي رفعها مشترك قطعت عنه
المواصلة (
[11])
(
[7]
) ديموج 2 فقرة 917 – وقد
قضت محكمة النقض بأنه إذا كان العقد مشتملا على التزامات متبادلة بين طرفيه ، إذ
التزم أحدهما أن يملك الآخر ( مجلس مديرية المنيا ) قطعة أرض بشرط أن يقيم عليها
مؤسسة خيرية ، فإنه لا يكون عقد تبرع ، كما أنه ليس ببيع ولا معاوضة . وإنما هو
عقد غير مسمى ، فلا تجب له الرسمية ، ولا يجوز الرجوع فيه . وذلك على الرغم مما هو
وارد في الاتفاق من ألفاظ التنازل والهبة والتبرع ، فإن كل هذه الألفاظ إنما سيقت
لبيان الباعث الذي حدا بصاحب الأرض إلى تمليك المجلس إياها ، فهي لا تؤثر بحال على
كيان العقد وحقيقته ( نقص مدني 11 أبريل سنة 1940 مجموعة عمر 3 رقم 49 ص 153 ) .
وقد أورد الأستاذ والتون (
جزء أول ص 80 – ص 81 ) أمثلة على عقود غير مسماة منها :
1- اتفقت إدارة مستشفى مع
مدرسة طبية على أن يضع المستشفى تحت تصرف المدرسة عدداً من الأسرة تستخدم لأغراض
التعليم الطبي ، ولم يحدد أجل لذلك . فقضت المحاكم الفرنسية بأن العقد ليس إيجاراً
ولا بيعاً ولا عقداً مقرراً لحق ارتفاق ، وإنما هو عقد غير مسمى ( دويه
الاستئنافية 25 فبراير سنة 1903 داللوز 1904 – 2 – 173 ) .
2- اتفق تاجر مع مصرف على
أن يقدم المصرف للتاجر معلومات عن الحالة المالية لتاجر آخر ، فهذا عقد ليس بوكالة
ن ولا هو إيجار عمل لأنه لم يتفق فيه على أجر ، فهو عقد غير مسمى ( نظرية العقد
للمؤلف ص 123 هامش رقم 4 ) .
(
[8]) والتكييف يسبقه تفسير
إرادة المتعاقدين ، والتفسير مسألة واقع . فإذا استخلص قاضي الموضوع إرادة
المتعاقدين ، أنزل عليها حكم القانون لتكييف العقد والكشف عن ماهيته . والتكييف مسألة
قانون لا مسألة واقع ، فهي تخضع لرقابة محكمة النقض . ولا تتقيد المحكمة بتكييف
المتعاقدين للعقد ، بل تصحح هذا التكييف من تلقاء نفسها ، شأن قواعد التكييف في
ذلك شأن سائر القواعد القانونية تطبقها المحكمة تلقائياً ولا تطلب عليها دليلاً .
وإذا تعمد المتعاقدان أن يكيفا العقد تكييفاً غير صحيح ، فإن التكييف غير الصحيح
في هذه الحالة يلتبس بالصورية والفرق بينهما – كما ذكر الأستاذ إسماعيل غانم في
مذكراته غير المطبوعة في البيع ص 7 – أن الصورية تنطوى على تصرف ظاهر يخفى وضعاً
حقيقياً ، والأصل الأخذ بالتصرف الظاهر إلا إذ أثبت صاحب المصلحة الوضع الحقيقي ،
فعلى هذا إذن يقع عبء الإثبات . أما التكييف غير الصحيح فلا ينطوى إلا على تصرف
واحد كيفه المتعاقدان تكييفا خاطئاً ، وعلى المحكمة تصحيح هذا التكييف من تلقاء
نفسها دون حاجة إلى أن تلقى عبء الإثبات على أحد المتعاقدين ، بل دون حاجة إلى طلب
الإثبات من أحد .
وقد يعتمد المتعاقدان أن يكيفا التصرف
تكييفاً غير صحيح بقصد التحايل على القانون ، فالقاضي يصحح هذا التكييف ويرد على
المتعاقدين قصدهما . ويذهب الأستاذ إسماعيل غانم ( مذكراته غير المطبوعة في البيع
ص 7 – ص 10 ) إلى أن التحايل على القانون لا يقتضي حتما أن يكون تكييف العقد
تكييفاً غير صحيح ، فقد يكيف المتعاقدان العقد تكييفاً صحيحاً وهما مع ذلك يريدان
التحايل على القانون . فإذا أراد شخص أن يعطى آخر أكثر من ثلث تركته بعد موته مع
وجود ورثة له ، فهو إذا عمد إلى الوصية لم يستطع بلوغ هذا الغرض إذ لا تجوز الوصية
بأكثر من ثلث التركة . فيعمد إلى الهبة أو البيع ، ويتجرد عن الملك في الحال ،
ولكنه يستبقى لنفسه فوائد هذا الملك عن طريق اشتراط حق المنفعة لنفسه طول حياته .
ولا يقال إن المتصرف أراد الوصية وكيفها بأنها هبة ، بل هو أراد الهبة حقاً وتجرد
عن ملك الرقبة في الحال مستبقياً لنفسه حق الانتفاع . فالتكييف هنا تكييف صحيح ،
ولكن المتصرف قصد التحايل على القانون . فيبقى التصرف على تكييفه الصحيح هبة لا
وصية ، ولكن يرد على المتصرف قصده فلا ينفذ التصرف إلا من ثلث التركة . ومن ثم
يجعل للتصرف حكم الهبة من حيث عدم جواز الرجوع فيه دون قيد وذلك إعمالا للتكييف
الحقيقي ، ويجعل له حكم الوصية من حيث عدم نفاذه إلا في ثلث التركة وذلك حتى يرد
على المتصرف قصده المشوب بالتحايل على القانون .
ولا يجري القضاء في مصر على هذا الرأي .
فهو إذ تثبت من أن المتصرف أراد التجرد من ملك الرقبة في الحال واصفاً التصرف بأنه
هبة أو بيع ، قضى بنفاذ التصرف ولو زاد على ثلث التركة . ولا ينقص التصرف إلى ثلث
التركة إلا إذا كشف أن تكييف المتصرف لتصرفه غير صحيح ، وأنه أراد الوصية – أي عدم
التجرد عن الملك إلا بعد الموت – وكيفها هبة أو بيعاً .
هذا وانظر في أن التكييف يفترض العلم
ابتداء بما هية العقود المختلفة ، ثم تفسير إرادة المتعقادين لمعرفة مضمونها
وبالمقابلة بين ما اتجهت إليه إرادة المتعاقدين والماهية القانونية لكل عقد من العقود
يمكن وصف الرابطة التعقادية =
التمييز بين العقود المسماة والعقود غير المسماة في القانون الحديث
4/
5
بواسطة
Mostafa Attiya
ماذا يجول بخاطرك ؟ لاتتردد !! عبّر عن نفسك .بعض الكلمات ستتدفق وبعضها سيتعثر لكنها تسعدنا مهما كانت.