
الفرع الثالث
السبب ( * )
( La Cause )
242 – السبب عنصر متميز عن الإرادة ولكنه متلازم معها :
نعرف السبب تعريفاً أولياً بأنه هو الغرض المباشر الذي يقصد الملتزم الوصول إليه
من وراء التزامه . والفرق بينه وبين المحل – كما يقال عادة – هو أن المحل
جواب من يسأل : بماذا التزم المدين ( Quid debetur ) الاصطلاح لاتيني، أما السبب فجواب من يسال : لماذا التزم
المدين ( Cur debetur )الاصطلاح لاتيني( [1]
) .
والسبب بهذا المعنى لا يكون عنصرا في كل التزام ،
بل يقتصر على الالتزام العقدي إذا الالتزام غير العقدي لم يقم على إرادة الملتزم
حتى يصح السؤال عن الغرض المباشر الذي قصد إليه الملتزم من وراء التزامه .
والسبب كعنصر في الالتزام العقدي دون غيره إنما يتصل
أوثق الاتصال بالإرادة . والحق أن السبب ليس هو الإرادة ذاتها ، ولكنه
هو الغرض المباشر الذي اتجهت إليه الإرادة . فهو ليس عنصراً من عناصر الإرادة
يتوحد معها ، بل هو عنصر متميز عن الإرادة . ولكن لما كانت الإرادة
البشرية لا يمكن أن تتحرك دون أن تتجه إلى سبب ، أي دون أن ترمي إلى غرض تهدف
لتحقيقه ، لذلك كان السبب ، وإن تميز عن الإرادة ، متصلا بها أوثق
الاتصال . فحيث توجد الإرادة يوجد السبب . ولا تتصور إرادة لا تتجه إلى
سبب إلا إذا صدرت عن غير وعي ، كإرادة المجنون . ولكننا رأينا أن
الإرادة لا يعتد بها إلا إذا صدرت عن وعي وتميز ، فالإرادة المعتبرة قانوناً
لا بد لها من سبب .
ويمكن إذن أن نستخلص مما تقدم أن
( [2]
) .
السبب
ركن في العقد غير ركن الإرادة. ولكن الركنين متلازمان، لا ينفك أحدهما عن الآخر
|
243 – السبب والإرادة معنيان متلازمان ولكن السبب
والشكل معنيان متعارضان :
وتاريخ نظرية السبب يقوم على الحقيقة الآتية : كلما زاد
حظ الإرادة في تكوين العقد ، وضعف حظ الشكل ، زادت أهمية السبب .
ذلك لأن الإرادة ، من حيث إنها تحدث آثاراً قانونية ، إذا انطلقت من
قيود الشكل ، وجب أن تتقيد بالسبب . وعند ما كان الشكل وحده – دون
الإرادة – هو الذي يكون العقد ، لم يكن للسبب من أثر . وبدأ السبب في
الظهور عندما بدأت الإرادة تتحرر متدرجة من قيود الشكل . وكلما زاد تحررها من
هذه القيود زاد رطبها بقيود السبب ، إلى أن تم تحريرها ، فوجدت نظرية
السبب كاملة تحل محل الشكل .
ونرى مما تقدم أنه حيث يتغلب الشكل يقل شأن السبب ،
وحيث يضعف الشكل يقوى أمر السبب . هكذا كانت الحال في القانون الروماني : فقد
بدأ هذا القانون شكلياً ، فلم يكن فيه إذ ذاك للسبب نصيب . ولما أخذ
الشكل يتقلص وتظهر العقود الرضائية ، بدا السبب يظهر بظهور الإرادة ليكون
قيداً لها بدلا من الشكل . وهكذا كانت الحال في القانون الفرنسي القديم : فإن
السبب لم يكد يعرف فيه إلا عندما وصل رجال الكنيسة إلى تقرير الرضائية في العقود .
فظهر السبب بعد أن كانت الشكلية تستره ، وبرز قوياً ليحوط الإرادة بقيود تحل
محل قيود الشكل ، وهكذا هي الحال في القانون الحديث حيث الشكلية تكاد تنعدم ،
فأينعت نظرية السبب وتطورت ، بل لعلها رجعت إلى أصلها قوية كما كانت في
القانون الكنسي ، لولا أن العقد المجرد حل محل العقد الشكلي في الانتقاص من
سلطان السبب .
244 – علاقة السبب بالمشروعية وبعيوب الإرادة :
منذ تحررت الإرادة من الشكل ، حاطها السبب بقيود على ما
قدمنا . وبدأ ذلك يكون لحماية المجتمع عن طريق المشروعية وفي صورة السبب المشروع .
فالإرادة حتى تنتج أثرها يجب أن تتجه إلى غرض مشروع لا يتعارض مع النظام العام ولا
مع الآداب ، وذلك حماية للمجتمع ، ثم اتخذت نظرية السبب لها هدفاً آخر
إلى جانب هذا الهدف الأول ، فصارت تحمى المتعاقد نفسه من هزله ونسيانه ومما
قد يقع فيه من غلط أو تدليس أو إكراه . وهكذا بعد أن تحررت الإرادة من
الشكلية أخذت تتحرر من العيوب عن طريق نظرية السبب . وبعد أن قامت نظرية
السبب لحماية المجتمع ، أخذت تقوم لحماية المجتمع والمتعاقدين جميعاً .
ولعل أول صورة تمثلت لعيوب الإرادة انطبعت في نظرية
السبب . ثم أخذت عيوب الإرادة تستقل عن السبب شيئاً فشيئاً ، وتكسب لها
كياناً ذاتياً خارجاً عن منطقة السبب . فانفصل الإكراه ، ثم انفصل
التدليس . وأصبح السبب الآن لا يختلط إلا بالغلط في منطقة مشتركة ، هي
منطقة السبب المغلوط أو الغلط في السبب . وقد أتم القانون المدني الجديد هذا
التطور ، ففصل بين الغلط والسبب فصلا تاماً . وأصبح السبب في هذه
القانون مقصوراً على السبب المشروع . وهذه الدائرة المحدودة – دائرة السبب
المشروع – هي الدائرة الأولى التي نشأ فيها السبب عندما بدأ يظهر في القانون
الكنسي ، وبذلك رجع السبب سيرته الأولى ، وعاد كما بدأ .
ذات صلة
|
المشروعية
النظام العام
الآداب
القانون الكنسي
|
245 – تطور العقد من عقد شكلي إلى عقد رضائي مسبب إلى
عقد رضائي مجرد :
وتاريخ نظرية السبب يهدينا إلى حقيقة أخرى . فسيقرئنا هذا
التاريخ أن العقد بدأ عقداً شكلياً ( contrat formel ) حيث السبب لا اثر له كما قدمنا . ثم تطور
إلى عقد رضائي ( contrat
consensuel ) حيث السبب له اكبر الأثر ثم تطور اخيراً إلى
عقد مجرد ( contrat
abstrait ) حيث انفصلت الإرادة عن سببها ولم يعد للسبب
إلا اثر غير مباشر .
وسنرى أن القانون المصري الجديد لم يماش هذا التطور إلى
نهايته ، ولم يسر في ذلك على نهج القوانين الجرمانية ، بل حرص على أن
يبقى في دائرة القوانين اللاتينية ، حيث لايزال العقد رضائياً ، وحيث
تشغل نظرية السبب في العقد المكان البارز ، وحيث لا يوجد العقد المجرد إلا في
دائرة محدودة ضيقة .
246 – خطة البحث في نظرية السبب :
مصطلحات ذات صلة
|
عقد رضائي مسبب
عقد رضائي مجرد
عقد شكلي
|
ونستعرض نظرية السبب
في مبحثين ، نتعقب في
( [1] ) وأول من قال بهذه المقارنة المشهورة
بين المحل والسبب هو الأستاذ اودو ( Audot ) ، ثم نقل عنه كثير من الفقهاء : اوبرى ورو 4 ص
546 هامش رقم 2 – هيك 7 ص 75 – ديمولومب 24 فقرة 345 وفقرة 355 – لوران 16 فقرة 109
– بودري وبارد 1 فقرة 297 وفقرة 302 – ديموج 2 فقرة 744 – بلانيول وريبير
وبولانجيه 2 فقرة 279 .
سبب الالتزام -مقدمة البحث
4/
5
بواسطة
Mostafa Attiya
ماذا يجول بخاطرك ؟ لاتتردد !! عبّر عن نفسك .بعض الكلمات ستتدفق وبعضها سيتعثر لكنها تسعدنا مهما كانت.