ب – نظرية الغلط تغني عن نظرية التدليس

185–الغلط يغني عن التدليس في النظرية الحديثة :
قدمنا أن
التدليس من شأنه أن يوقع المتعاقد في غلط ، فإذا كان رضاؤه معيباً فإنما
يكون ذلك بسبب الغلط الذي أوقع فيه التدليس . ومع ذلك فإن النظرية التقليدية
للتدليس إذا وضعت بجانب النظرية التقليدية للغلط تجعل دائرة التدليس أوسع من دائرة
الغلط . فهناك أحوال لا يكفي فيها الغلط لإبطال العقد ، كالغلط في
الباعث والغلط في القيمة
، فإذا
اقترن بالغلط تدليس دافع ، كان التدليس لا الغلط هو السبب في إبطال العقد (
[1]
) .
ومن ذلك نرى
أن طبقاً للنظرية التقليدية لا يغني الغلط عن التدليس . بل يجب الحرص على التمييز
بين التدليس والغلط ، فإنه إذا كان كل تدليس يحدث في النفس غلطاً ، فإن
الاقتصار على هذا الغلط مجرداً عن التدليس لا يكفي لإبطال العقد في كل
الأحوال .
أما في
النظرية الحديثة ، فالغلط يغني عن التدليس . ولا يمكن في هذه النظرية أن
يوجد عقد يبطل للتدليس دون أن يكون قابلا لأن يبطل للغلط في الوقت ذاته .
والتدليل على ذلك هين . فالتدليس لا يبطل العقد إلا إذا كان دافعاً ،
وهو إنما يبطل العقد لما يوقع في نفس المتعاقد من الغلط .
فالغلط
الناشيء عن التدليس المبطل للعقد لما يوقعه في نفس المتعاقد من الغلط . فالغلط
الناشيء عن التدليس المبطل للعقد لا بد أن يكون غلطاً دافعاً ، والغلط الدافع
يبطل العقد دائماً حتى لو وقع في الباعث أو في القيمة . فنرى من ذلك أن كل
عقد يبطل للتدليس يمكن في الوقت ذاته أن يبطل للغلط ، وأن نظرية الغلط تغني
إذن عن نظرية التدليس ( [2]
) .
186 – ولكن التدليس لا يغني عن الغلط :
ذلك أن التدليس إذا
لم يوقع في نفس المتعاقد غلطاً فلا أثر له في صحة العقد ، ولا تترتب عليه
إلا مسئولية عن التعويض إذا انطوى على خطأ تقصيري وأحدث ضرراً . ولا يمكن
أن نتصور عقداً لا يبطل للغلط ويبطل مع ذلك للتدليس . فالعبرة إذن بالغلط
لا بالتدليس . وإذا كان الغلط يغني عن التدليس ، فإن التدليس لا يغني
عن الغلط .
على أنه إذا وقع
المتعاقد في غلط من شأنها أن يبطل العقد ، فإن هناك فرقاً عملياً في هذه
الحالة بين أن يكون الغلط مصحوباً بالتدليس أو أن يكون غير مصحوب به .
ويظهر أثر هذا الفرق في أمرين :
( أولاً )
يسهل إثبات الغلط حيث يكون مصحوباً بالتدليس ، فإن الطرق الإحتيالية تكون
غالباً طرقاً مادية يسهل إثباتها ، فيثبت الغلط تبعاً لذلك . أما إذا
لم يصحب الغلط تدليس ، فإنه يصبح أمراً نفسياً ليس من الميسور
إثباته .
( ثانياً )
إذا كان الغلط مصحوباً بتدليس ، فإن التدليس يكون سبباً في إلزام المدلس
بالتعويض ، وذلك إلى جانب إبطال العقد ، إذا نجم عن التدليس ضرر ( [3] ) .
|
أما الغلط غير
المصحوب بالتدليس فجزاؤه إبطال العقد ، ولا محل للتعويض إلا إذا ثبت خطأ في
جانب المتعاقد الذي علم بالغلط أو كان يستطيع أن يعلم به .
وظاهر أن كلا
من هذين الأمرين عملي محض ، ولا صلة له بأثر الغلط في صحة العقد ( [4]
) . وقد آثر القانون الجديد مع ذلك أن يستبقى التدليس إلى جانب الغلط جرياً
على التقاليد ، لا سيما إذا اقترنت بهذه الفروق العملية .
( [1] ) أنظر في هذا المعنى محكمة
الاستئناف المختلطة في 31 يناير سنة 1934 م 46 ص 147 .
( [2] ) اغفل
القانون البرتغالي التدليس كعيب مستقل من عيوب الرضاء ( أنظر م 657 و 663 من هذا
القانون ) . وكذلك فعل القانون النمساوي ( م 870 من القانون النمساوي القديم وم 55
من القانون النمساوي المعدل ) – أنظر أيضاً بلانيول 2 فقرة 1066 – ديموج 1 فقرة
364 – مذكرات الأستاذ ليفي إيلمان في الالتزامات في الربع الأول من القرن العشرين
ص 394 .
( [4] ) وقد جاء في المذكرة
الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : " وقد يصح التساؤل عن
جدوى إقامة نظرية مستقلة للتدليس ما دام أن أثره في الإرادة يرد إلى ما يولد في
ذهن العاقد من غلط يدفع به إلى التعاقد ، بمعنى أن ما يشوب الرضاء من عيب
بسببه يرجع إلى الغلط لا إلى الحيلة . إلا أن لوجود التدليس مزيتين عمليتين :
فإثباته أيسر من إثبات الغلط من ناحية ، وهو يخول حق مطالبة من صدر منه
التدليس بالتعويض فضلا عن حق التمسك بالبطلان من ناحية أخرى " ( مجموعة
الأعمال التحضيرية ج 2 ص 172 – ص 173 ) .
نظرية الغلط تغني عن نظرية التدليس
4/
5
بواسطة
Mostafa Attiya
ماذا يجول بخاطرك ؟ لاتتردد !! عبّر عن نفسك .بعض الكلمات ستتدفق وبعضها سيتعثر لكنها تسعدنا مهما كانت.