ب – الشروط الواجب توافرها في
السبب
267 – شروط ثلاثة :
يخلص من النصوص التي أوردناها في
القانون المدني الفرنسي وفي القانون المدني المصري القديم أن السبب يجب أن تتوافر
فيه شروط ثلاثة : ( 1 ) أن يكون موجوداً . ( 2 ) وأن يكون صحيحاً . ( 3
) وأن يكون مشروعاً .
268 - وجود السبب :

ويغلب في السبب غير الموجود أن يكون سبباً موهوماً وقع غلط في وجوده ،
فظن المتعاقدان أن موجود وهو غير موجود . ولكن السبب الموهوم لا يدخل في
دائرة هذا الشرط الأول ، بل يدخل في دائرة الشرط الثاني كما سنرى . أما
هنا فالمراد بالسبب غير الموجود أن يكون المتعاقدان على بينة من أنه غير موجود ،
أي غير واهمين في وجوده . ويصح التساؤل إذن كيف يقدم المتعاقدان على التعاقد
لسبب غير موجود وهما عالمان بذلك ؟ تجيب النظرية التقليدية أن هذا يمكن أن يتحقق
عند التعاقد وبعد التعاقد .
فهو يتحقق عند التعاقد في فروض مختلفة نذكر منها فرضين : ( 1 ) قد يكره أحد
المتعاقدين على إمضاء إقرار بمديونيته وهو غير مدين ، أي لسبب لا وجود له ،
كقرض لم يتم ، فيكون كل من المتعاقدين على بينة من أن سبب المديونية غير
موجود . وفي هذه الحالة يكون العقد الذي يقر فيه المتعاقد المكره بمديونيته
باطلا لانعدام السبب ، ولا يكفي أن يقال أنه قابل للإبطال لما وقع فيه من
إكراه ، بل قد لا يكون هناك إكراه ويصدر الإقرار بالمديونية قبل تسلم القرض ،
ثم يثبت المقر أنه لم يتسلم القرض أصلاً ، فيكون الإقرار في هذه الحالة باطلا
لانعدام السبب . ويستقيم الفرض حتى لو اعتبر الإقرار إرادة منفردة لا عقداً ،
فإذن السبب ركن في كل التزام إرادي ولو لم يكن الزاماً عقدياً . ( 2 ) يكون
السبب غير موجود ، دون أن يكون هناك وهم أو إكراه ، فيما يسمى بسند
المجاملة ( effet de
complaisance ) . وصورته أن يلتزم شخص نحو آخر التزاماً صورياً ، فيمضي
سنداً لمصلحته ، ويقصد من ذلك أن يعطي الدائن الصوري سنداً يحصل على قيمته من
طريق تحويله ، حتى إذا حل ميعاد دفع السند قام الدائن الصوري بتوريد قيمته
إلى المدين ، فيدفعها هذا لحامل السند . وبذلك يستطيع الدائن الصوري أن
يحصل على ما هو في حاجة إليه من النقود إلى أجل معلوم ، لا من مدينه بالذات ،
بل بفضل إمضاء هذا المدين على سند المجاملة . ولا يحتج بانعدام السبب على
حامل السند إذا كان حسن النية ، ولكن في العلاقة ما بين المدين ودائنه الصوري
يستطيع الأول أن يتمسك ببطلان السند لانعدام السبب ( [1] ) .
ويتحقق انعدام السبب بنوع خاص بعد التعاقد . ويقع ذلك في العقود
الملزمة للجانبين إذا لم يقم أحد المتعاقدين بتنفيذ التزامه أو استحال عليه هذا
التنفيذ لقوة قاهرة ، فإن سبب التزام المتعاقد الآخر يصبح غير موجود بعد أن
كان موجوداً عند التعاقد ، وانعدام السبب بعد وجوده في هذه الأحوال هو الذي
يبرر نظرية الدفع بعدم التنفيذ ونظرية الفسخ ونظرية تحمل التبعة على ما بينا .
269 –
صحة السبب:
ويجب أيضاً أن يكون السبب صحيحاً .
فالسبب غير الصحيح ( fausse cause ) لا يصلح
أن يقوم عليه التزام ، ويرجع عدم صحة السبب إلى أحد أمرين : ( 1 ) إما لأن
السبب الظاهر – وهو السبب غير الصحيح – هو سبب موهوم أو مغلوط ( cause erronée ) ( 2 ) وإما
لأن السبب الظاهر هو سبب صوري ( cause simulée ) .
والأمثلة على السبب الموهوم كثيرة : وارث يتخارج مع شخص يعتقد أنه وارث معه
وهو ليس بوارث ، فيعطيه مبلغاً من النقود حتى يتخلى عن نصيبه في الميراث ،
فهذا التخارج باطل لأن سببه موهوم . وارث يمضي إقرارا بدين على التركة ويتبين
أن الدائن كان قد استوفى الدين من المورث ، فهذا الإقرار باطل لأن سببه موهوم .
وارث يتعهد لموصى له بعين في التركة أن يعطيه مبلغاً من المال في نظير نزوله عن
الوصية ، ويتبين بعد ذلك أن الوصية باطلة أو أن الموصى قد عدل عنها ،
فتعهد الوارث باطل لأن سببه موهوم . مدين يتفق مع دائنه على تجديد الدين ،
فيتبين أن الدين القديم باطل أو أن الدائن قد استوفاه ، فالتجديد باطل لأن
سببه موهوم .
بقى السبب الصوري ، والعقد الذي يقوم على سبب صوري لا يكون باطلا
لصورية السبب ، فإن الصورية في ذاتها ليست سبباً في البطلان . ولكن إذا
اثبت المدين صورية السبب ، فعلى الدائن أن يثبت السبب الحقيقي . ويكون
الالتزام قائماً أو غير قائم تبعاً لهذا السبب الحقيقي . فإن كان هذا السبب
موهوماً سقط الالتزام لأن السبب الحقيقي موهوم لا لأن السبب الظاهر صوري .
وإن كان السبب الحقيقي غير مشروع ، وقد أخفى تحت ستار سبب مشروع كما هو
الغالب ، سقط الالتزام أيضاً ، لا لصورية السبب الظاهر ، بل لعدم
مشروعية السبب الحقيقي . أما إذا كان السبب الحقيقي مشروعاً غير موهوم ،
فإن الالتزام يقوم بالرغم من صورية السبب الظاهر (
[2] ) .
270 – مشروعية السبب :
ويجب أخيراً أن يكون السبب مشروعاً . والسبب المشروع هو الذي لا يحرمه
القانون ولا يكون مخالفاً للنظام العام ولا للآداب ( [3] ) . وقد بينا معنى
المخالفة للقانون أو للنظام العام أو للآداب عند الكلام في المحل غير المشروع .
ونبين هنا أن مشروعية السبب ، عند أصحاب النظرية التقليدية ، شرط متميز
عن مشروعية المحل ، فقد يكون المحل مشروعاً والسبب غير مشروع . ويتحقق
ذلك في فروض مختلفة ، نذكر منها لفروض الثلاثة الآتية :
( أولاً ) إذا تعهد شخص لآخر
بارتكاب جريمة في مقابل مبلغ من النقود يأخذه منه ، فإن التزام الشخص الآخر
بدفع النقود محله مشروع ، ولكن سببه – وهو التزام الشخص الأول بارتكاب
الجريمة – غير مشروع . فلا يقوم هذا الالتزام ، لا لعدم مشروعية المحل ،
بل لعدم مشروعية السبب .
( ثانياً ) كذلك إذا تعهد شخص لآخر
بعدم ارتكاب جريمة في مقابل مبلغ من النقود ، فإن التزام كل من المتعاقدين
محله مشروع . فقد تعهد الأول بعدم ارتكاب الجريمة ، وتعهد الثاني بدفع
مبلغ من النقود ، وكلا المحلين مشروع . ولكن سبب التزام الأول بالامتناع
عن ارتكاب الجريمة هو التزام الثاني بدفع النقود ، وهذا سبب غير مشروع .
وسبب التزام الثاني بدفع النقود هو التزام الأول بالامتناع هو ارتكاب الجريمة ،
وهذا أيضاً سبب غير مشروع . ومن ذلك نرى أن كلا من الالتزامين لا يقوم لعدم
مشروعية السبب ، وهذا بالرغم من أن محل كل منهما مشروع . وكذلك الأمر في
كل عقد يلتزم فيه شخص باجازة آخر ليحمله على الالتزام بما يجب عليه دون إجازة ،
كالمودع يجيز المودع عنده حتى يرد الوديعة ، وكالمسروق منه يجيز السارق حتى
يرد المسروق ، وكالمخطوف وله يجيز الخاطف حتى يرد الولد ، وكمن يخشى أذى
دون حق من شخص يجيز هذا الشخص حتى يكف عنه أذاه .
( ثالثاً ) عقد الوساطة في الزواج
( courtage
matrimonial ) هو أيضاً عقد سببه غير مشروع ، على أي ، وإن كان
المحل مشروعاً . فإذا التزم شخص أن يدفع أجراً لوسيط يبحث له عن زوج يرضاه ،
فإن كثيراً من الفقهاء ( [4] ) يقولون إن العقد
غير مشروع لأنه يجعل الزواج ضرباً من التجارة . إلا أن محكمة النقض الفرنسية
ميزت بين فرضين . فإذا اشترط الوسيط الأجر تم الزواج أو لم يتم ، كان
هذا أجراً على العمل لا جائزة على النجاح ، فيكون العقد مشروعاً . أما
إذا اشترط الأجر على إلا يأخذه إلا إذا تم الزواج ، فهذا هو الاتفاق الباطل ،
لأن الوسيط في هذه الحالة قد يحمل على ركوب طرق من الغش والخديعة حتى يتم زواجاً
قد لا يكون في مصلحة الزوجين أن يتم ، ولا مصلحة فيه إلا للوسيط يحصل على
أجره الموعود ( [5] ) . والقضاء في مصر
غير مستقر ، فقد قضت إحدى المحاكم الوطنية ( [6] ) ببطلان العقد ،
لا سيما في بلد كمصر حيث يسهل على " الخاطبة " أن تخدع الزوج ، في
أمر زوجته بسبب انعزال المرأة عن الرجل ( [7] ) . وقضت محكمة
الاستئناف المختلطة ( [8] ) بصحة العقد إذ أن الغرض
الذي يرمى إليه مشروع ، فهو ييسر أمر الزواج ، وإذا وقع غش من الوسيط
أمكن الرجوع عليه بالطرق القانونية . ونحن نؤثر الأخذ برأي محكمة النقض
الفرنسية ، فيكون العقد صحيحاً إذا أخذ الوسيط أجراً على عمله تم الزواج أو
لم يتم ، ويكون باطلا إذا لم يأخذ الأجر إلا إذا تم الزواج . فإذا أخذ
بهذا الرأي كان الاتفاق مع الوسيط على إعطائه أجراً إذا نجحت وساطته اتفاقاً غير
مشروع . وعدم المشروعية هنا يرجع إلى السبب لا إلى المحل ، فإن التزام
كل من الفريقين محله مشروع ، أحدهما يلتزم بإعطاء الأجر والثاني يلتزم
بالعثور على زوج صالح ، ولكن سبب كل من الالتزامين غير مشروع ، لأنه مما
يخالف الآداب والنظام العام أن يلتزم الوسيط بتزويج الطرف الآخر في مقابل اجر ،
وأن يلتزم الطرف الآخر بإعطاء الوسيط أجراً في مقابل هذا الزواج .
التالي.....>>>
التالي.....>>>
( [1] ) ويتحقق انعدام السبب ، دون وهم
أو إكراه ، في عقد احتمالي يسمى " كرة الثلج " ( boule de
neige
) ( أنظر في ذلك نظرية العقد للمؤلف ص 551 هامش رقم 3 ) كما قد يتحقق في سائر
العقود الاحتمالية – وهي عقود السبب فيها هو احتمال المكسب والخسارة في كل من
الجانبين – فإذا انعدم هذا الاحتمال في جانب انعدم سبب الالتزام ، وقد يكون
ذلك عن بينة وفي غير إكراه .
الشروط الواجب توافرها في السبب ثلاثة
4/
5
بواسطة
Mostafa Attiya
ماذا يجول بخاطرك ؟ لاتتردد !! عبّر عن نفسك .بعض الكلمات ستتدفق وبعضها سيتعثر لكنها تسعدنا مهما كانت.