-انتقال التركة من المورث إلى الوارث
28 – المسائل التي يتناولها البحث:
ولم يتناول قانون المواريث كيفية انتقال التركة
من المورث إلى الوارث ، إذ لم يعتبر هذا الموضوع من موضوعات الأحوال الشخصية .
فالأمر هنا يتعلق بالميراث باعتباره سبباً من أسباب كسب الملكية ، تنتقل به ملكية
التركة من المورث إلى الوارث ، فهو يدخل إذن في الأحوال العينية ( الأموال ) لا في
الأحوال الشخصية . ولكن أحكام الشريعة الإسلامية مع ذلك هي التي تسري في شأنه ،
وقد صرحت بذلك المادة 875 مدني ([1])
كما رأينا .
فيعنينا إذن ، ما دمنا نعرض للميراث باعتباره
سبباً من أسباب كسب الملكية ، أن نبين أحكام الشريعة الإسلامية في هذا الموضوع ،
فإن هذه الأحكام هي الواجبة التطبيق فيما نحن بصدده .
ومن ثم نتناول بالبحث المسائل الآتية :
( 1 ) انتقال حقوق التركة إلى الورثة .
( 2 ) متى تنتقل حقوق التركة إلى الورثة .
( 3 ) هل تنتقل ديون التركة إلى الورثة أسوة
بحقوقها وما هو مدى نطاق القاعدة التي تقضي بألا تركة إلا بعد سداد الدين .
29 -انتقال حقوق الشركة إلى الورثة:
تنتقل
جميع حقوق الوارث المالية – وهذه هي حقوق التركة – إلى الورثة عن طريق الميراث
بوفاة المورث ، إذ الوارث خلف المورث في حقوق المالية .
وقد قلنا في هذا المعني في الجزء الخامس من مصادر الحق في الفقه الإسلامي :
" وإذا كان الفقه الإسلامي سلم بانتقال الحق إلى الوارث ، فذلك بفضل خلافة الوارث للمورث . فكرة الخلافة هذه تقضى بأن الوارث يقوم مقام المورث ويخلفه ، فيجب إذن أن يخلفه في مجموع الحقوق لا في حق معين بالذات ، فينتقل إلى الوارث هذا المجموع من الحقوق .
بل لعل الأدق أن يقال إن الوارث هو الذي ينتقل ليحل محل مورثه في مجموع حقوقه ، فيقوم مقامه في هذه الحقوق ويخلفه عليها . ومثل الوارث الموصى له بجزء من مجموع الحقوق ، فإن نظرية الخلافة تتسع له كما اتسعت للوارث ، إذ أن كليهما يخلف الميت في مجموع الحقوق لا في حق معين بالذات " ([2]) .
ويؤيد ذلك ما ذهب إليه الحنفية من أن حق التعلى مستقلاً عن البناء المستعلى ينتقل بالميراث ، ولا ينتقل بالبيع . وذلك لأن انتقاله بالميراث لأي كون باعتباره حقاً معيناً بالذات ، بل باعتباره عنصراً داخلاً في مجموع المال الذي خلف عليه الوارث المورث . أما انتقاله بالبيع فلا يجوز .
لأن البيع لا ينقل إلا حقاً معيناً بالذات ، ولا يكون حق التعلى حقاً معيناً بالذات إلا إذا كان تابعاً للبناء المستعلى ([3]) .
وقد قلنا في هذا المعني في الجزء الخامس من مصادر الحق في الفقه الإسلامي :
" وإذا كان الفقه الإسلامي سلم بانتقال الحق إلى الوارث ، فذلك بفضل خلافة الوارث للمورث . فكرة الخلافة هذه تقضى بأن الوارث يقوم مقام المورث ويخلفه ، فيجب إذن أن يخلفه في مجموع الحقوق لا في حق معين بالذات ، فينتقل إلى الوارث هذا المجموع من الحقوق .
بل لعل الأدق أن يقال إن الوارث هو الذي ينتقل ليحل محل مورثه في مجموع حقوقه ، فيقوم مقامه في هذه الحقوق ويخلفه عليها . ومثل الوارث الموصى له بجزء من مجموع الحقوق ، فإن نظرية الخلافة تتسع له كما اتسعت للوارث ، إذ أن كليهما يخلف الميت في مجموع الحقوق لا في حق معين بالذات " ([2]) .
ويؤيد ذلك ما ذهب إليه الحنفية من أن حق التعلى مستقلاً عن البناء المستعلى ينتقل بالميراث ، ولا ينتقل بالبيع . وذلك لأن انتقاله بالميراث لأي كون باعتباره حقاً معيناً بالذات ، بل باعتباره عنصراً داخلاً في مجموع المال الذي خلف عليه الوارث المورث . أما انتقاله بالبيع فلا يجوز .
لأن البيع لا ينقل إلا حقاً معيناً بالذات ، ولا يكون حق التعلى حقاً معيناً بالذات إلا إذا كان تابعاً للبناء المستعلى ([3]) .
والحقوق التي تنتقل إلى الوارث هي الحقوق
المالية ، فتنتقل إليه ملكية أعيان التركة ، والحقوق العينية الأصلية الأخرى التي
للمورث إلا ما كان منها ينقضي بالموت كحق الانتفاع ، والحقوق العينية التبعية كحق
الرهن وحق الاختصاص وحقوق الامتياز ([4])
.
أما ما كان من الحقوق ليس حقاً مالياً ، وما كان حقاً مالياً ولكنه متصل بشخص المورث ، وما اتصل بمشيئة المورث لا بماله ، فإن شيئاً من هذا لا ينتقل إلى الوارث ، لأن طبيعة الحق تستعصى على هذا الانتقال ، وتأبى إلا بقاء الحق مع صاحبه الأصلي وزواله بموته .
أما ما كان من الحقوق ليس حقاً مالياً ، وما كان حقاً مالياً ولكنه متصل بشخص المورث ، وما اتصل بمشيئة المورث لا بماله ، فإن شيئاً من هذا لا ينتقل إلى الوارث ، لأن طبيعة الحق تستعصى على هذا الانتقال ، وتأبى إلا بقاء الحق مع صاحبه الأصلي وزواله بموته .
ومثل الحقوق غير المالية حق الحضانة وحق
الولاية على النفس وحق الولاية على المال ، فهذه كلها لا تنتقل إلى الوارث لأنها
حقوق غير مالية .
ومثل الحقوق المالية المتصلة بشخص المورث الحق
في النفقة . سواء كان الدائن بها زوجة أو قريباً ، فلا ينتقل هذا الحق إلى الوارث
بعد موت الدائن بالنفقة ، وذلك ما لم يأذن القاضي للدائن بالاستدانة ويستدن فعلاً
. كذلك حق الرجوع في الهبة حين يجوز الرجوع حق متصل بشخص الواهب ، فلا ينتقل منه
إلى وارثه ، بل يسقط بموته . وقد أكدت هذا المعنى المادة 502 مدني ، حين جعلت من
موانع الرجوع في الهبة موت أحد طرفي العقد ، الواهب أو الموهوب له .
وحق الأجل في الدين قام فيه خلاف من حيث اتصاله بشخص المدين لا بشخص الدائن . فهو يورث عن الدائن دون خلاف في ذلك ، فإذا مات الدائن قبل حلول الأجل بقى الأجل على حاله ولم يحل الدين ، وعلى ورثة الدائن أن يتربصوا حتى يحل الأجل ليطالبوا بحق مورثهم .
أما إذا مات المدين قبل حلول الأجل ، فمن يقول باتصال الأجل بشخص المدين لا يجعل الأجل ينتقل إلى الوارث فينتفع بما بقى منه كما كان ينتفع المدين لو بقي حياً ، وعلى ذلك يسقط الأجل بموت المدين ولا ينتقل إلى الوارث ، فيحل الدين ولو لم يحل أجله . وظاهر أن هذا القول يتعارض مع ما هو مقرر في القانون المصري من أن الأجل في الدين متصل بالدين ذاته لا بشخص المدين ، بل هو وصف في الدين ، فإذا مات المدين لم يحل الدين إذا كان الأجل لم ينقض . وقد حصرت المادة 273 مدني أسباب سقوط حق المدين في الأجل ، وليس الموت من بينها ، فالأجل إذن لا يسقط بموت المدين .
ولا شك في أن هذا هو القانون الوضعي في مصر ، فلا تجوز مخالفته . بقى أن نتلمس قولاً في الفقه الإسلامي يتفق مع هذا الحكم ، حتى لا يتعارض الفقه الإسلامي مع أحكام القانون في مسألة قلنا إن أحكام الشريعة الإسلامية تسري في شأنها . وفي مذهب مالك لا يسقط الأجل بموت المدين ، إذا اشترط المدين بقاء الدين مؤجلاً بعد موته إلى أن ينقضي الأجل ([5]) .
ولكن هذا لا يكفي ، إذ يكون الأصل في الأجل عند مالك أن يسقط بموت المدين إلا إذا اشترط المدين بقاءه بعد موته . أما في القانون المصري فالأجل لا يسقط بموت المدين ، سواء اشترط المدين بقاءه بعد موته أو لم يشترط . والأقرب إلى القانون المصري في هذه المسألة هو رواية في المذهب الحنبلي ([6]) ، ففي هذا المذهب روايتان في سقوط الأجل بموت المدين ، إحداهما أن الأجل لا يسقط بموت المدين إذا وثق الورثة الدين ([7]) .
ومعنى توثيق الورثة للدين أن يقدموا ضماناً للدائن يأمن به على حقه ، وهذا هو نفس ما تقضى به المادة 895 / 2 مدني في تصفية التركة تصفية جماعية ، إذ تقول :
" وترتب المحكمة لكل دائن من دائني التركة تأميناً كافياً على عقار أو منقول ، على أن تحتفظ لمن كان له تأمين خاص بنفس هذا التأمين . فإن استحال تحقيق ذلك . ولو بإضافة ضمان تكميلي يقدمه الورثة من مالهم الخاص ، أو بالاتفاق على أية تسوية أخرى ، رتبت المحكمة التأمين على أموال التركة جميعها " .
وإذا لم تصف التركة تصفية جماعية ، ففي تأشير الدائن بحقه ، وفقاً لأحكام المادة 914 مدني وسيأتي تفصيلي ذلك ما يأتي ، ضمان كاف بطمئن معه الدائن إلى استيفاء حقه من التركة حتى مع بقاء الأجل قائماً بعد موت المدين ، ويقوم هذا الضمان مقام توثيق الورثة للدين .
وحق الأجل في الدين قام فيه خلاف من حيث اتصاله بشخص المدين لا بشخص الدائن . فهو يورث عن الدائن دون خلاف في ذلك ، فإذا مات الدائن قبل حلول الأجل بقى الأجل على حاله ولم يحل الدين ، وعلى ورثة الدائن أن يتربصوا حتى يحل الأجل ليطالبوا بحق مورثهم .
أما إذا مات المدين قبل حلول الأجل ، فمن يقول باتصال الأجل بشخص المدين لا يجعل الأجل ينتقل إلى الوارث فينتفع بما بقى منه كما كان ينتفع المدين لو بقي حياً ، وعلى ذلك يسقط الأجل بموت المدين ولا ينتقل إلى الوارث ، فيحل الدين ولو لم يحل أجله . وظاهر أن هذا القول يتعارض مع ما هو مقرر في القانون المصري من أن الأجل في الدين متصل بالدين ذاته لا بشخص المدين ، بل هو وصف في الدين ، فإذا مات المدين لم يحل الدين إذا كان الأجل لم ينقض . وقد حصرت المادة 273 مدني أسباب سقوط حق المدين في الأجل ، وليس الموت من بينها ، فالأجل إذن لا يسقط بموت المدين .
ولا شك في أن هذا هو القانون الوضعي في مصر ، فلا تجوز مخالفته . بقى أن نتلمس قولاً في الفقه الإسلامي يتفق مع هذا الحكم ، حتى لا يتعارض الفقه الإسلامي مع أحكام القانون في مسألة قلنا إن أحكام الشريعة الإسلامية تسري في شأنها . وفي مذهب مالك لا يسقط الأجل بموت المدين ، إذا اشترط المدين بقاء الدين مؤجلاً بعد موته إلى أن ينقضي الأجل ([5]) .
ولكن هذا لا يكفي ، إذ يكون الأصل في الأجل عند مالك أن يسقط بموت المدين إلا إذا اشترط المدين بقاءه بعد موته . أما في القانون المصري فالأجل لا يسقط بموت المدين ، سواء اشترط المدين بقاءه بعد موته أو لم يشترط . والأقرب إلى القانون المصري في هذه المسألة هو رواية في المذهب الحنبلي ([6]) ، ففي هذا المذهب روايتان في سقوط الأجل بموت المدين ، إحداهما أن الأجل لا يسقط بموت المدين إذا وثق الورثة الدين ([7]) .
ومعنى توثيق الورثة للدين أن يقدموا ضماناً للدائن يأمن به على حقه ، وهذا هو نفس ما تقضى به المادة 895 / 2 مدني في تصفية التركة تصفية جماعية ، إذ تقول :
" وترتب المحكمة لكل دائن من دائني التركة تأميناً كافياً على عقار أو منقول ، على أن تحتفظ لمن كان له تأمين خاص بنفس هذا التأمين . فإن استحال تحقيق ذلك . ولو بإضافة ضمان تكميلي يقدمه الورثة من مالهم الخاص ، أو بالاتفاق على أية تسوية أخرى ، رتبت المحكمة التأمين على أموال التركة جميعها " .
وإذا لم تصف التركة تصفية جماعية ، ففي تأشير الدائن بحقه ، وفقاً لأحكام المادة 914 مدني وسيأتي تفصيلي ذلك ما يأتي ، ضمان كاف بطمئن معه الدائن إلى استيفاء حقه من التركة حتى مع بقاء الأجل قائماً بعد موت المدين ، ويقوم هذا الضمان مقام توثيق الورثة للدين .
ومثل الحقوق المالية التي تتصل بمشيئة المورث
لا بماله الخيارات ، وحق الأخذ بالشفعة ([8])
.
وأهم الخيارات هي خيار الشرط وخيار الرؤية وخيار التعيين وخيار العيب وخيار فوات الوصف .
ويذهب صاحب الحنفية إلى أن هذه الخيارات لا تورث ، إذ هي متصلة بشخص صاحب الخيار ، وليست إلا اتجاها لإرادته ومظهراً من مظاهر مشيئته .
وليس للإرادة أو المشيئة بقاء بعد الموت ، فتنتهي به ولا تنتقل إلى الوارث . إلا أن كلاً من خيار التعيين وخيار العيب وخيار فوات الوصف يثبت للوارث بعد موته المورث ابتداء ، لا بطريق الوراثة والخلافة ، لأن هذه الخيارات إنما تثبت لعلل تحققت في العين ذاتها . فخيار التعيين يثبت نتيجة لاختلاط المال .
وكل من خيار العيب وخيار فوات الوصف يثبت لضياع بعض المال أو نقصه . وهذه العلل تبقى قائمة حتى بعد انتقال العين إلى الوارث ، فيثبت الخيار للوارث ابتداء لقيام العلة ، لا لأن الخيار انتقل إليه من وارثه .
ويذهب مالك والشافعي وأحمد إلى أن كلاً من خيار التعيين وخيار العيب وخيار الوصف ينتقل بالميراث ، لأنها حقوق مالية تنتقل إلى الوارث كسائر الحقوق ، وإذا كان انتقال العين نفسها إلى الوارث بطريق الإرث والخلافة فكذلك يكون انتقال الخيار المتعلق بها .
وكذلك الحكم في خيار الشرط عند الشافعي ومالك إذ هو حق مالي يقوم الوارث فيه مقام مورثه ، خلافاً لأحمد فقد ذهب إلى أنه لا يورث إلا إذا اختار من له الخيار قبل موته ، أما إذا لم يختر قبل الموت فلا يورث الخيار ([9]) .
وأهم الخيارات هي خيار الشرط وخيار الرؤية وخيار التعيين وخيار العيب وخيار فوات الوصف .
ويذهب صاحب الحنفية إلى أن هذه الخيارات لا تورث ، إذ هي متصلة بشخص صاحب الخيار ، وليست إلا اتجاها لإرادته ومظهراً من مظاهر مشيئته .
وليس للإرادة أو المشيئة بقاء بعد الموت ، فتنتهي به ولا تنتقل إلى الوارث . إلا أن كلاً من خيار التعيين وخيار العيب وخيار فوات الوصف يثبت للوارث بعد موته المورث ابتداء ، لا بطريق الوراثة والخلافة ، لأن هذه الخيارات إنما تثبت لعلل تحققت في العين ذاتها . فخيار التعيين يثبت نتيجة لاختلاط المال .
وكل من خيار العيب وخيار فوات الوصف يثبت لضياع بعض المال أو نقصه . وهذه العلل تبقى قائمة حتى بعد انتقال العين إلى الوارث ، فيثبت الخيار للوارث ابتداء لقيام العلة ، لا لأن الخيار انتقل إليه من وارثه .
ويذهب مالك والشافعي وأحمد إلى أن كلاً من خيار التعيين وخيار العيب وخيار الوصف ينتقل بالميراث ، لأنها حقوق مالية تنتقل إلى الوارث كسائر الحقوق ، وإذا كان انتقال العين نفسها إلى الوارث بطريق الإرث والخلافة فكذلك يكون انتقال الخيار المتعلق بها .
وكذلك الحكم في خيار الشرط عند الشافعي ومالك إذ هو حق مالي يقوم الوارث فيه مقام مورثه ، خلافاً لأحمد فقد ذهب إلى أنه لا يورث إلا إذا اختار من له الخيار قبل موته ، أما إذا لم يختر قبل الموت فلا يورث الخيار ([9]) .
[1] ^ وقد احتدم الخلاف ، في وقت ما في عهد
التقنين المدني السابق ، فيما إذا كانت أحكام الشريعة الإسلامية هي التي تسري
في هذا الموضوع . وكان الرأي الراجح وجوب سريان هذه الأحكام ، فإذا باع
الوارث عيناً من أعيان التركة كان لدائني التركة أن يتتبعوا هذه العين في يد
المشتري وينفذوا عليها . وذهب رأي مرجوح إلى عدم الأخذ بأحكام الشريعة
الإسلامية ، فلا يكون لدائني التركة حق تتبع العين في يد المشتري ، وليس
أمامهم إلا التنفيذ على أموال الوارث الشخصية وعلى ما بقى في يده من أموال التركة ،
مع الاحتفاظ بحق الطعن في تصرف الوارث بالدعوى البولصية إذا توافرت شروطها .
ويستند أصحاب الرأي الأول إلى أن المشروع في عهد
التقنين المدني السابق قد أخضع لأحكام الشريعة الإسلامية الميراث في جميع مسائله ،
لا فحسب من حيث تعيين الورثة وتحديد أنصبتهم في الميراث ، بل أيضاً باعتبار
الميراث سبباً لكسب الملكية وانتقالها من المورث إلى الوارث . ولما كان
الوارث في الشريعة الإسلامية لا يستمر فيه شخص مورثه ولا يحل محل المورث في
التزاماته ، فإن ديون المورث تتعلق بالتركة . وتبقى التركة ضامنة لديون
المورث بعد موته كما كان ماله ضامناً لها حال حياته ، ولا يرث الوارث إلا ما
يتبقى بعد سداد الديون إذ لا تركة إلا بعد سداد الدين . أما حق الدائنين في
الشريعة الإسلامية فهو أشبه بحق الاختصاص أو الرهن على جميع التركة ، فإذا
باع الوارث عيناً من أعيان التركة قبل سداد الدين ، كان للدائن أن يتتبعها في
يد المشتري ويستوفى منها حقه . هذا إذا كانت التركة مستغرقة بالدين ،
أما إذا كانت غير مستغرقة فللدائنين كذلك حق رهن عام بمقدار الديون التي لهم ،
لأن التركة مثقلة بهذه الديون . ولكن الفقهاء أباحوا للورثة التصرف في أعيان
التركة ، لأن ضمان الدائنين هي التركة جميعها لا عين بالذات . على أن حق
الورثة في التصرف يقف حين لا يبقى في التركة إلا ما يكفي للوفاء بالديون ،
وكل تصرف زاد على هذا الحد فهو غير نفاذ في حق الدائنين ، وللدائنين أخذ
حقوقهم من أعيان التركة حيث توجد إذا لم يكن الباقي منها في أدي الورثة كافياً
للوفاء بهذه الحقوق . أنظر في هذا الرأي عبد الحميد بدوي في مجلة مصر
المعاصرة 1914 ص 14 وما بعدها – وملاحظات عزيز كحيل وعبد الخالق ثروت وعبد الحميد
مصطفى ومحمد حلمي عيسى في ص 40 – وأنظر من أحكام القضاء في هذا الرأي ما أشير إليه
في الوسيط 4 فقرة 189 ص 336 هامش 1 – ومن أصحاب هذا الرأي من يذهب إلى حد القول
بحلول الديون المؤجلة بموت المدين وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية ( علي زكي
العرابي في مركز الوارث في الشريعة الإسلامية سنة 1913 – وأنظر مقالاً له في
المحاماة السنة الأولى العدد الخامس ) . ويلاحظ على أصحاب هذا الرأي الأول
أنهم يستندون في إخضاع الميراث لأحكام الشريعة الإسلامية إلى المادة 54 / 77 من
التقنين المدني السابق ، والصحيح أن هذا النص هو من نصوص الإسناد في القانون
الدولي الخاص لا من نصوص القانون الداخلي ، وإنما يرجع إخضاع الميراث لأحكام
الشريعة الإسلامية إلى أن القوانين المصرية تركت جميع مسائل الميراث لأحكام
الشريعة الإسلامية ، ولم يتعرض لها المشرع المصري بأي حكم موضوعي . وقد
كانت أحكام الشريعة الإسلامية هي السارية في الميراث ، فبقيت سارية حتى بعد
صدور التقنين المدني الجديد ما دام أنها لم تنسخ بأي نص من نصوص هذا القانون .
أما أصحاب الرأي الثاني فيذهبون إلى أن الشريعة
الإسلامية إنما تسري في تعيين الورثة وتحديد أنصبائهم في الميراث ، لا في
كيفية انتقال المال من المورث إلى الورثة فذلك ليس متصلاً بالأحوال الشخصية ،
بل هو داخل في أسباب كسب الملكية فتسري في شأنه المبادئ العامة في القانون المدني .
ومن ثم يجب أن تفصل أموال التركة عن أموال الوارث الشخصية ويقدم المورث على دائني
الوارث في اقتضاء حقوقهم من أموال التركة ، لأن حق الضمان العام الذي كان لهم
في حياة المورث لا يزال باقياً كما كان ما دام المالان منفصلين ولكن طبيعة هذا
الحق لا تتغير فلا يصير عينياً بالموت ، ولا يكون للدائن حق تتبع العقار إذا
خرج من يد الوارث بالبيع إلا إذا كان المشتري سيء النية . وشأن الدائن أمام
تصرف الوارث هو شأنه أمام تصرف المورث بلا فرق ، له أن يطعن في تصرف الوارث
بالدعوى البولصية إذا توافرت شروطها كلما كان له ذلك بالنسبة إلى تصرف المورث .
ولكن الوارث التزم في أمواله الخاصة بقيمة ما تصرف فيه من أموال التركة ،
وليس لدائنيه أن يتضرروا من ذلك لأن لكل تصرفاته واقعة نتائجها على أمواله ،
ولا سبيل إلى منعه من التصرف إلا بالحجر . أنظر في هذا الرأي أحمد عبد اللطيف
في المحاماة السنة الثانية العدد الثالث – عبد الوهاب محمد في الشرائع السنة
الأولى ص 57 – وأنظر من أحكام القضاء في الرأي ما أشير إليه في الوسيط 4 فقرة 189
ص 336 هامش 1 .
وقد أخذت محكمة النقض ، في عهد التقنين
المدني السابق ، بالرأي الأول . فقضت بأن التركة عند الحنفية ،
مستغرقة كانت أو غير مستغرقة ، تنتقل بمجرد الوفاة بحق عيني لدائني المتوفي
يخولهم تتبعها واستيفاء ديونهم منها بالتقدم على سواهم ممن تصرف لهم الوارث أو من
دائنيه . وهذا هو القانون الواجب على المحاكم المدنية تطبيقه إذا ما تعرضت
للفصل في مسائل المواريث بصفة فرعية . ولا يحول دون ثبوت هذا الحق العيني لدائني
التركة التعلل بأن الحقوق العينية في القانون المدني وردت على سبيل الحصر ،
وبأن حق الدائن هذا من نوع الرهن القانوني الذي لم يرد في التشريع الوضعي ،
وذلك لأن عينية الحق مقررة في الشريعة الإسلامية ، وهي على ما سبق القول
القانون في المواريث . وإذن فالحكم الذي ينفي حق الدائن في تتبع أعيان تركه
مدينه تحت يدها من اشتراها ، ولو كان المشتري حسن النية وكان عقده مسجلاً ،
مخالف للقانون ( نقض مدني 27 فبراير سنة 1947 مجموعة عمره 5 رقم 159 ورقم 160 ص
356 )
أنظر في كل ذلك : الوسيط 4 فقرة 189 ص 336 هامش –
رسالة الدكتور على إبراهيم الرجال في مدى تعلق حق الغرماء بالتركة – رسالة الدكتور
حسن بغدادي في التفرقة بين الأحوال الشخصية والأحوال العينية ص 301 وص 327 وص 336 –
أحمد نجيب الهلالي وحامد زكي في البيع فقرة 199 – فقرة 204 – حامد زكي في المحاكم
الأهلية والأحوال الشخصية مجلة القانون الاقتصاد السنة الرابعة – محمد على عرفة 2
فقرة 367 – محمد كامل مرسى 5 فقرة 103 – فقرة 106 .
[4] ^ وينتقل إلى الوارث أيضاً الحق في إبطال العقد ،
إذ هو حق مالي ينتقل بالميراث . وقد قضت محكمة النقض بأن للقاصر في حال حياته
أن يباشر طلب الإبطال بواسطة من يمثله قانوناً ، كما أن هذا الحق ينتقل بعد
وفاته لوارثه بوصفه خلفاً عاماً له يحل محل سلفه في كل ماله وما عليه ، فتؤول
إليه جميع الحقوق التي كانت لسلفه . وإذا كان موضوع طلب الإبطال تصرفاً
مالياً ، فإنه بهذا الوصف لا يكون حقاً شخصياً محضاً متعلقاً بشخص القاصر
بحيث يمتنع على الخلف العام مباشرته ( نقض مدني 27 فبراير سنة 1958 مجموعة أحكام
النقض 9 ص 161 ) .
[5] ^
أنظر على الخفيف في بحثه في تأثير الموت في حقوق
الإنسان والتزاماته المنشور في مجلة القانون والاقتصاد السنة العاشرة العددين
الخامس والسادس ص 23 – وأنظر أيضاً محمد أبو زهرة في أحكام التركات والمواريث ص 38
– ص 39
[6] ^ وغني عن البيان أننا لا نلتزم ، في الملاءمة
ما بين أحكام القانون الوضعي وأحكام الشريعة الإسلامية ، أرجح الأقوال في
المذهب الحنفي ، فهذا لا يشترط إلا في الأحوال الشخصية فيما لم يرد في شأنه
نص تشريعي . وفي غير ذلك يجوز الاستناد إلى المرجوح من الأقوال في المذهب
الحنفي ، وإلى غير المذهب الحنفي من المذاهب الفقهية الأخرى حتى لو كان
مذهباً غير المذاهب الأربعة المعروفة ، وإلى أية رواية من الروايات التي وردت
في هذه المذاهب المختلفة .
[7] ^ وقد جاء في المعنى ( وهو من كتب الفقه الحنبلي )
في هذا الصدد : " إن مات وعليه ديون مؤجلة ، فهل تحل بالموت؟ فيه
روايتان . إحداهما لا تحل إذا وثق الورثة ، وهو قول ابن سيرين وعبد الله
بن الحسن وإسحاق وأبي عبيد ، وقال طاوس وأبو بكر بن محمود الزهري وسعيد بن
إبراهيم الدين إلى أجله ، وحكى ذلك عن الحسن . والرواية الأخرى أنه يحل
بالموت ، وبه قال الشعبي والنخعي وسوار ومالك والثوري والشافعي وأصحاب الرأي .
لأنه لا يخلو إما أن يبقى في ذمة الميت ، أو الورثة ، أو يتعلق بالمال ،
لا يجوز بقاؤه في ذمة الميت ، لخرابها وتعذر مطالبته بها . ولا في ذمة
الورثة لأنهم لم يلتزموها ولا رضى صاحب الدين بذممهم وهي مختلفة متباينة .
ولا يجوز تعليقه على الأعيان وتأجيله ، لأنه ضرر بالميت وصاحب الدين ولا نفع
للورثة فيه . أما الميت فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال الميت مرتهن بدينه
حتى يقضي عنه . وأما صاحبه ، فيتأخر حقه ، وقد تتلف العين فيسقط
حقه . وأما الورثة ، فإنهم لا ينتفعون بالأعيان وبلا يتصرفون فيها ،
وإن حصلت لهم منفعة فلا يسقط حق الميت وصاحب الدين لمنفعة لهم . ولنا . .
أن الموت ما جعل مبطلاً للحقوق ، وإنما هو ميقات للخفاة وعلامة على الوراثة .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم من ترك حقاً أو مالاً فلورثته . .
فعلى هذا يبقى الدين في ذمة الميت كما كان ، ويتعلق ماله كتعلق حقوق الغرماء
بمال المفلس عند الحجر عليه ، فإن أحب الورثة أداء الدين ( عند حلول أجله )
والتزامه للغريم ويتصرفون في المال ، لم يكن لهم ذلك إلا أن يرضى الغريم أو
يوثقوا الحق بضمين ملئ أو رهن يثق به لوفاء حقه ، فإنهم قد لا يكونون أملياء
ولم يرض بهم الغريم ، فيؤدي ذلك إلى فوات الحق . . . وإن مات
مفلس وله غرماء بعض ديونهم مؤجل وبعضها حال ، وقلنا المؤجل يحل بالموت ،
تساووا في التركة فاقتسموها على قدر ديونهم . و إن قلنا لا يحل بالموت ،
نظرنا . فإن وثق الورثة لصاحب المؤجل اختص أصحاب الحال بالتركة ، وإن امتنع
الورثة عن التوثيق حل دينه وشارك أصحاب الحال لئلاً يفضي إلى إسقاط دينه بالكلية "
( المغني 4 ص 485 – ص 487 ) .
[8] ^ سنعرض ، عند الكلام في الشفعة لما إذا كان
حق الأخذ بالشفعة ينتقل إلى الوارث ( أنظر ما يلي فقرة 163 ) .
[9] ^ أنظر في كل ذلك مصادر الحق في الفقه الإسلامي
للمؤلف جزء 5 ص 69 – ص 70 – وقد جاء في الفروق للقرافي وهو كتب الفقه المالكي : "
أعلم أنه يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من مات عن حق فلورثته .
وهذا اللفظ ليس على عمومه ، بل من الحقوق ما ينتقل إلى الوارث ومنها ما لا
ينتقل . فمن حق الإنسان أن يلاعن عند سبب اللعان ، وأن يفي بعد الإيلاء ،
وأن يعود بعد الظهار ، وأن يختار من نسوة أسلم عليهن وهن أكثر من أربع ،
وأن يختار إحدى الأختين إذا أسلم عليهما . وإذا جعل المتبايعان له الخيار ،
فمن حقه أن يملك إمضاء البيع عليهما وفسخه . ومن حقه ما فوض إليه من الولايات
والمناصب ، كالقصاص والإمامة والخطابة وغيرها ، وكالأمانة والوكالة .
فجميع هذه الحقوق لا ينتقل للوارث منها شيء ، وإن كانت ثابتة للمورث .
بل الضابط لما ينتقل إليه ما كان متعلقاً بالمال ، أو يدفع ضرراً عن الوارث
في يعرضه بتخفيف ألمه . وما كان متعلقاً بنفس المورث وعقله وشهواته لا ينتقل
للوارث . والسر في الفرق أن الورثة يرثون المال فيرثون ما يتعلق به تبعاً ،
ولا يرثون عقله ولا شهوته ولا نفسه فلا يرثون ما يتعلق بذلك ، وما لا يورث لا
يرثون ما يتعلق به : فاللعان يرجع إلى أمر يعتقده لا يشاركه فيه غيره غالباً ،
والاعتقادات ليست من باب المال ، والفيئة شهوته ، والعود إرادته ،
واختيار الأختين والنسوة أو به وميله ، وقضاؤه على المتبايعين عقله وفكرته
ورأيه ، ومناصبه وولاياته واجتهاداته وأفعاله الدينية فهو دينه . ولا
ينتقل شيء من ذلك للوارث ، لأنه لم يرث مستندة وأصله . وانتقل للوارث
خيار الشرط في المبيعات ، وقاله الشافعي رحمه الله تعالى ، وقال أبو
حنيفة وأحمد ابن حنبل لا ينتقل إليه . وينتقل للوارث خيار الشفعة عندنا ،
وخيار التعيين إذا اشترى مورثه عبداً من عبدين على أن يختار ، وخيار الوصية
إذا مات الموصي له بعد موت الموصي ، وخيار الإقالة والقبول إذا أوجب البيع
لزيد فلوارثه القبول والرد . . . وخيار الهبة وفيه خلاف ومنع أبو
حنيفة خيار الشفعة ، وسلم خيار الرد بالعيب وخيار تعدد الصفقة وحق القصاص وحق
الرهن وحبس المبيع . . . ووافقناه نحن على خيار الهبة في الأب للابن
بالاعتصار . . . وسلم الشافعي جميع ما سلمناه ، وسلم خيار
الإقالة والقبول . ومدارك المسألة على أن الخيار عندنا صفة للعقد فينتقل مع
العقد ، فإن آثار العقد انتقلت للوارث . وعند أبي حنيفة صفة للعاقد
لأنها مشيئته واختياره ، فتبطل موته كما تبطل سائر صفاته . . .
ولم يخرج عن حقوق الأموال إلا صورتان فيما علمت : حد القذف ، وقصاص الأطراف
والجرح والمنافع في الأعضاء . فإن هاتين الصورتين تنتقلان للورثة وهما ليستا
بمال ، لأجل شفاء غليل الوارث بما دخل على عرضه من قذف مورثه والجناية عليه .
وأما قصاص النفس فإنه لا يورث ، فإنه لم يثبت للمجني عليه قبل موته وإنما ثبت
للوارث ابتداء ، لأن استحقاقه فرع زهوق النفس فلا يقع إلا للوارث بعد موت
المورث " ( الفروق للقرافى جزء 3 ص 275 – ص 279 ) .
انتقال التركة من المورث إلى الوارث
4/
5
بواسطة
Mostafa Attiya
ماذا يجول بخاطرك ؟ لاتتردد !! عبّر عن نفسك .بعض الكلمات ستتدفق وبعضها سيتعثر لكنها تسعدنا مهما كانت.