الأجل الفاسخ
( Terme extinctif )
رأينا أن نفاذ الالتزام إذا كان هو المترتب على الأجل ، فالأجل يكون واقفاً . ونقول الآن أنه إذا ترتب على حلول الأجل انقضاء الالتزام – لا نفاذه – فالأجل يكون فاسخاً .
ولما كان الأجل بنوعيه ليس له أثر رجعي ، وكانت كلمة " الفسخ " في عبارة " الأجل الفاسخ " قد تشعر بأن للأجل الفاسخ أثراً رجعياً كما في الشرط الفاسخ ، فقد تجنب الفرنسيون هذه الكلمة وأطلقوا على الأجل الفاسخ عبارة " الأجل المنهي " terme extinctif أما التقنين المدني المصري فقد استبقى عبارة " الأجل الفاسخ "
قارن ماسبق: ما هو الأجل الواقف ؟وأمثلته
55 –
ما هو الأجل الفاسخ:
رأينا أن الالتزام يكون لأجل إذا كان نفاذه أو انقضاؤه مترتباً على
أمر مستقبل محقق الوقوع ( م 271 / 1 مدني ) . ورأينا أن نفاذ الالتزام إذا كان هو
المترتب على الأجل ، فالأجل يكون واقفاً . ونقول الآن أنه إذا ترتب على حلول الأجل
انقضاء الالتزام – لا نفاذه – فالأجل يكون فاسخاً .
ولما كان الأجل بنوعيه ليس له أثر رجعي ، وكانت كلمة " الفسخ
" في عبارة " الأجل الفاسخ " قد تشعر بأن للأجل الفاسخ أثراً
رجعياً كما في الشرط الفاسخ ، فقد تجنب الفرنسيون هذه الكلمة وأطلقوا على الأجل
الفاسخ عبارة " الأجل المنهي " ([1]) (
terme
extinctif
) . أما التقنين المدني المصري فقد استبقى عبارة " الأجل الفاسخ " (
أنظر المادة 274 / 2 مدني ) .
56 – هل
يوجد أجل فاسخ؟:
أما أن التقنين المدني المصري قد تصور وجود الأجل الفاسخ ، فهذا ما
لا ريب فيه . فقد وردت الإشارة إليه في موضعين : ففي الفقرة الأولى من المادة 271
مدني ورد أن الالتزام يكون لأجل " إذا كان نفاذه أو انقضاؤه مترتباً على أمر
مستقبل محقق الوقوع " ، وإذا ترتب انقضاء الالتزام على حلول الأجل فهذا الأجل
يكون فاسخاً . ثم ذكر التقنين صراحة عبارة " الأجل الفاسخ " في الفقرة
الثانية من المادة 274 ، إذ قال أنه " يترتب على انقضاء الأجل الفاسخ زوال
الالتزام " ([2])
.
وإذا استعرضنا الأمثلة التي تورد عادة على إنها أمثلة للأجل الفاسخ
نجدها واردة في العقود الزمنية . فالمؤجر الذي يتعهد بتمكين المستأجر من الانتفاع
بالعين المؤجرة مدة الإيجار ، والعامل الذي يلتزم نحو رب العمل أن يعمل مدة معينة
، ومن يتعهد بتوريد الأغذية لمدرسة أو لمستشفى مدة معينة ، ومن يتعهد بدفع إيراد
لآخر مدى حياته ، وصاحب حق الانتفاع الذي ينتفع بالعين ما دام حيا أو لمدة معينة ،
كل هذه أمثلة لحقوق وردت في عقود زمنية . وقد قدمنا أن العقد الزمني لا يمكن أن
يقال عنه إنه مقترن بأجل فاسخ ، لأن الأجل عنصر جوهري فيه ([3]) .
على إننا نرى أنه إذا كان صحيحاً أن العقد الزمني لا يجوز أن يقال
عنه أنه مقترن بأجل فاسخ للأسباب التي قدمناها ، فغير صحيح أن الأجل الفاسخ لا
يوجد ضرورة إلا في عقد زمني . فهناك عقود تقترن بآجال فاسخة ولا تكون عقوداً زمنية
، وفي هذه العقود ليس الزمن عنصراً جوهرياً بل عنصراً عارضاً ، ومن ثم أجلاً
فاسخاً بالمعنى الصحيح . هذه العقود ليست كثيرة في العمل ، كما هو الشأن في العقود
الزمنية ، ولكنها موجودة إلى حد يبرر استبقاء الأجل الفاسخ إلى جانب الأجل الواقف
، كما فعل التقنين المدني المصري .
نذكر الأمثلة التي تحضرنا لهذه العقود :
( 1 ) إذا فتح مصرف لعمليه اعتماداً بمبلغ معين لمدة سنة مثلا ،
فمبلغ الاعتماد هنا ، وهو محل العقد ، لا
يقاس بالزمن أي بالسنة التي فتح فيها الاعتماد ، إذ هو لا يتغير بتغير هذا الزمن
فلا يزيد إذا زاد ولا ينقص إذا نقص . وفي رأينا أن العقد هنا ليس عقداً زمنياً إذ
الزمن ليس عنصراً جوهرياً فيه ، ومع ذلك يقترن التزام المصرف بفتح الاعتماد بأجل
فاسخ هو مدة السنة ، فإذا انقضت هذه المدة انقضى التزام المصرف بفتح الاعتماد ([4]) .
ويخلص مما قدمناه أن المصرف يكون ملتزماً بوضع المبلغ تحت تصرف
العميل ، وهذا الالتزام مقترن بأجل فاسخ هو سنة من وقت فتح الاعتماد . وليس الأجل
هنا محلا معقوداً عليه ، بل عنصراً عارضاً ، يمكن تصور العقد بدون هز ويكون المصرف
في هذه الحالة ملزماً بوضع المبلغ تحت تصرف العميل فوراً ، ويأخذه العميل في الحال
فيكون قرضاً بسيطاً ، وإنما سمى القرض هنا بفتح الاعتماد لإضافة الأجل الفاسخ
السالف الذكر .
( 2 ) إذا فتح مصرف لمقاول حساباً جارياً عن مقاولة معينة وحدد
لإقفال الحساب ستة أشهر مثلا ، ففي هذه الحالة قد تعهد المصرف بالخصم والإضافة في
الحساب الجاري عن المبالغ التي تضم وتخصم لحساب المقاولة المذكورة ، وقرن التزامه
بأجل فاسخ هو مدة الستة الأشهر . وليست هذه المدة عنصراً جوهرياً في الالتزام ، بل
العنصر الجوهري هو المقاولة المعينة التي فتح من أجلها الحساب الجاري . فيكون العقد هنا عقداً غير زمني ، ومع
ذلك يكون قد اقترن بأجل فاسخ ([5]) .
( 3 ) إذا تعهد طبيب بعلاج أفراد أسرة لمدة سنة على أن يأخذ الأجر عن
كل مرة يعالج فيها مريضاً ، فإن التزامه بالعلاج قد اقترن بأجل فاسخ ، هو مدة
السنة ، ولكن هذه المدة ليست عنصراً جوهرياً في العقد ما دام الطبيب يتقاضى أجره
لا بحساب المدة بل بحساب مرات العلاج . فالزمن هنا ليس مقياساً للمعقود عليه ، وهو
مع ذلك أجل فاسخ ([6])
.
(4) إذا تعهدت شركة بصيانة سيارة أو مصعد أو نحو ذلك من الآلات التي
تحتاج إلى الصيانة لمدة سنة مثلا، على أن تتقاضى أجرها عن كل عملية من عمليات
الصيانة ، فإن الالتزام هنا يكون مقترناً بأجل فاسخ ليس عنصراً جوهرياً فيه ([7]) .
(5) إذا تعهدت شركة التأمين أن تؤمن ، لمدة معينة ، عدداً غير معين
من الأخطار يمكن تعيينه شيئاً فشيئاً بإقرارات متتابعة من جهة المؤمن له ، فقد
اختلف في تكييف هذا العقد ، ومن رأى بعض الفقهاء أن العقد ليس بالعقد الزمني ، ومع
ذلك فقد اقترن بأجل فاسخ ([8]) .
ويمكن القول بوجه عام أنه يتفق – وإن كان ذلك لا يحدث كثيراً – أن
يقترن العقد بأجل فاسخ لا يكون عنصراً جوهرياً فيه ، فلا يكون العقد في هذه الحالة
عقداً زمنياً ، ويكون الأجل الذي اقترن به العقد أجلاً فاسخاً بالمعنى الصحيح .
ونحن إذ نتكلم فيما يلي عن الأجل الفاسخ ينصرف قولنا إلى هذه العقود على وجه
التخصيص . على أنه لا مانع من إطلاق تعبير " الأجل الفاسخ " على المدة
في العقود الزمنية ، في شيء من التجوز ، فإن الأحكام لا تتغير سواء اُعتبر الأجل
الفاسخ في العقود الزمنية أصلاً أو اُعتبر وصفاً .
السابق:ما هو الأجل الواقف ؟وأمثلته
التالي:
[1] ^ وسار على هذا التعبير الأستاذ عبد الحي
حجازي في رسالته في عقد المدة وفي كتابه في النظرية العامة للالتزام . أنظر
أيضاً الأستاذ إسماعيل غانم في أحكام الالتزام فقرة 175 ص 248 .
[2] ^ وانظر أيضاً
النصوص المقابلة في التقنينات المدنية العربية الأخرى آنفاً فقرة 46 في الهامش .
أما التقنين المدني الفرنسي فلا يتكلم إلا عن الأجل الواقف ، والفقه الفرنسي
فلا يتكلم إلا عن الأجل الواقف ، والفقه الفرنسي مضطرب في هذا الصدد .
فمن الفقهاء من يعترف بالأجل الفاسخ وصفاً للعقد لا وصفاً للالتزام ( ديمولومب 25
فقرة 569 بودري وبارد 2 فقرة 937 ) ، ومنهم من لا يعتبر الأجل الفاسخ وصفاً
للالتزام ، بل يعتبره سبباً من أسباب انقضاء الالتزام ( بلانيول وريبير
وجابولد 7 فقرة 998 – بيدان ولاجارد 8 فقرة 707 ) .
[3] ^ أنظر آنفاً فقرة
52 – وينفي الأستاذ عبد الحي حجازي ، في شيء من التردد ، عن الأجل
الفاسخ ( أو الأجل المنهي حكما يدعوه ) أنه وصف للالتزام ( أنظر رسالته في عقد
المدة ص 230 ، وكتابه في النظرية العامة في الالتزام 1 ص 171 – وبنوع خاص ص
176 – ص 177 ) . وينفي الأستاذ إسماعيل غانم صراحة عن الأجل الفاسخ أنه وصف
للالتزام إذ يقول : " والأجل الفاسخ ليس وصفاً بالمعنى الدقيق ، فهو لا
يعدل من آثار الالتزام ، بل هو في حقيقته الطريق الطبيعي لإنهاء الالتزام
الزمني ، فهو يحدد مدة بقاء ذلك الالتزام " ( أحكام الالتزام فقرة 168 ) .
[4] ^ أنظر عكس ذلك الأستاذ عبد الحي حجازي في
عقد المدة ص 47 – ص 48 . وهو يسلم أن المدة في هذا العقد ليست وظيفتها أن
تحدد كم المبلغ الموضوع تحت تصرف العميل ، فهو محدد في ذاته بدون فكرة الزمن ،
لا يزيد كمه ولا ينقص حسب طول المدة أو قصرها . ولكنه يضيف ما يأتي : " ومع
ذلك فلزمن دور اصيل في هذا العقد ، إن العقد ينص علىالمدة التي يجب في خلالها
أن يظل البنك ملتزماً بوضع مبلغ الاعتماد تحت تصرف المعتمد ، وبالتالي المدة
التي يكون المعتمد في خلالها واثقاً من أن ثمة مبلغاً موضوعاً تحت تصرفه . إن
وضع المبلغ تحت تصرف المعتمد طوال مدة العقد ، وإمكان هذا الأخير الاستفادة
منه في كل لحظة في خلال مدة العقد لهو الذي يحقق الفائدة التي يرجوها المعتمد من
هذا العقد ، وتلك فائدة تقاس بالزمن ، تزيد معه إذ تزيد ، وتنقص
معه إذ ينقص . وهذا كاف لإدراج هذا العقد ضمن طائفة عقود المدة " .
على أن المدة هنا ،
وإن حققت فائدة للعميل ، إلا إنها فائدة عارضة ، وليست عنصراً جوهرياً
في العقد لا يتصور العقد بدونها ، فهي أقرب إلى أن تكون كالمدة التي يشترطها
الصانع في صنع الأثاث : مدة عارضة جبرية .
[8] ^ انظر الأستاذ عبد الحي حجازي في عقد المدة
ص 55 – ص 56 والمراجع التي أشار إليها . .
السابق:ما هو الأجل الواقف ؟وأمثلته
التالي:
هل يوجد أجل فاسخ؟ وماهيته
4/
5
بواسطة
Mostafa Attiya
ماذا يجول بخاطرك ؟ لاتتردد !! عبّر عن نفسك .بعض الكلمات ستتدفق وبعضها سيتعثر لكنها تسعدنا مهما كانت.