العيوب الشكلية :
وفى التقنين القديم – إلى هذه العيوب الموضوعية – عيوب شكلية ترجع إلى تبويبه وإلى ازدواج لغته . فتبويبه واضح العيوب . إذ هو يجمع فى كتاب أول بين الأموال والحقوق العينية الأصلية ، وكان الواجب فصل الأموال عن الحقوق العينية ، فالأموال محل للحقوق العينية وللحقوق الشخصية على السواء . ويفصل فى كتابين مستقلين بين نظرية الالتزام والعقود المسماة ، ولا محل لهذا الفصل فالعقود المسماة تتصل بنظرية الالتزام أوثق الاتصال . ويخصص كتاباً رابعاً لما يسميه بحقوق الدائنين ، ويخلط فيه بين التأمينات العينية وإثبات الحقوق العينية ودفاتر التسجيل ، بل هو لا يذكر من التأمينات العينية الرهن الحيازى ويورده دون غيره فى العقود المسماة . ولا يشتمل على باب تمهيدى لمصادر القانون ولتطبيقه فى الزمان والمكان ، ولغير ذلك من المسائل العامة .
وعيوب التبويب التفصيلى لا تقل عن عيوب التبويب العام . ففى الكتاب المخصص للحقوق العينية الأصلية نرى قيود الملكية واردة على أنها حقوق ارتفاق ، ولا نرى أثراً للملكية فى الشيوع ولا للقسمة إلا بعيداً عن هذا الكتاب فى المكان المخصص للشركات وفى قانون المرافعات ( م 621/711 مرافعات ) . ونرى قاعدة جوهرية كالقاعدة التى تقضى بأن الحيازة فى المنقول سند الملكية موزعة توزيعاً غريباً بين التملك بالعقد ( م 46/68 ) والتملك بالتقادم ( م 86-87 /115 – 116 ) وإثبات الحقوق العينية ( م 607 – 608/ 733-734 ). وليس ثمة أثر لأي ترتيب منطقى أو عملى لوحظ فى تسلسل أسباب كسب الملكية .وفى الكتاب الثانى المخصص لنظرية الالتزام نرى نظرية الالتزام فى ذاته مشطورة شطرين توسطت بينهما أبواب ثلاثة خصصت لمصادر الالتزام . فالباب الأول من هذا الكتاب يتناول أثر الالتزام وما يدخل عليه من أوصاف . والباب الثانى يتناول أول مصادر الالتزام وهو العقد . والباب الثالث يخلط بين مصدرين مستقلين كان الواجب فصل أحدهما عن الآخر ، وهما الإثراء بلا سبب والعمل غير المشروع . والباب الرابع يفيض فى المصدر الأخير للالتزام وهو القانون ، مع أن هذا المصدر هو أقل المصادر حاجة إلى الانفراد بباب مستقل ، بله الإفاضة فى نصوصه . ثم يعود الباب الخامس إلى نظرية الالتزام فى ذاته ، فيتناول أسباب انقضائه ويرتبها ترتيباً غير منطقى . ويمضى الباب السادس فى إثبات الالتزام . أما انتقال الالتزام – ولا يعرف القانون القديم منه إلا حوالة الحق دون حوالة الدين – فلا تراه فى هذا الكتاب أصلا ، وإنما تجده منزوياً فى الفصل الأخير من فصول عقد البيع . وفى الكتاب الثالث الذى خصص للعقود المسماة تجد هذه العقود قد وردت واحداً بعد الآخر فى غير ترتيب واضح . فيأتى بعد البيع الإيجار وهو يمزج ما بين إيجار الأشياء وعقد المقاولة وعقد العمل . ثم يرد عقد الشركة فعقد العارية ويمتزج فيه القرض بعارية الاستعمال . وهكذا تتابع العقود دون ترتيب ، فتخلص من الوديعة إلى الكفالة، ثم إلى الوكالة ، فالصلح ، فرهن الحيازة ، فالغاروقة ! أما الكتاب الرابع فقد قدمنا أنه مزيج غريب يجمع ما بين حق الدائن العادى فى التنفيذ على أموال مدينه ، ومن ثم ترد إشارة إلى الدعوى البوليصية (م 556/680 ) ، والتأمينات العينية ، وهذه لا ترد كاملة ، فالرهن الحيازى يرد فى العقود المسماة كما رأينا ، وقواعد التسجيل القديمة ، وترد تحت عنوان إثبات الحقوق العينية ، ثم أحكام تفصيلية فى دفاتر التسجيل .
وليس الأمر مقصوراً على التبويب العام والتبويب التفصيلى ، فإن الترتيب الداخلى لأحكام كل باب وكل فصل لم يراع فيه تسلسل منطقى أو اعتبار عملى ، ولا حاجة للخوض فى ذلك .
أما ازدواج لغة التقنين القديم فأمره مشهور . وضع هذا التقنين فى الأصل باللغة الفرنسية ، ثم ترجم إلى اللغة العربية ، فكان من ذلك أن وجد أمام المحاكم الوطنية نص أصلى – يقابله نص رسمى ، وكثيراً ما يتناقض النصان . مثل ذلك التدليس ، يشترط النص العربى أن يكون صادراً من أحد المتعاقدين ولا يشترط النص الفرنسى ذلك ، والصحيح هو النص الفرنسى ، فقد أراد المشرع المصرى أن يتجنب عيباً فى القانون الفرنسى بأن يجعل التدليس الصادر من الغير كالإكراه الصادر من الغير عيباً فى الرضاء . وإعذار المدين ، يقرر النص العربى أن الإنذار فيه يجب أن يكون رسمياً ولا يتطلب النص الفرنسى ذلك ، والصحيح هنا هو النص العربى . والوفاء مع الحلول ، لا يشير النص العربى فيه إلى دين جديد يحل محل دين قديم ويصرح النص الفرنسى بذلك ، والصحيح هنا أيضاً هو النص العربى . واسترداد الحصة الشائعة ، لا يشترط النص العربى فى الشركاء أن يكونوا أصليين ويشترط ذلك النص الفرنسى ، والصحيح هو النص الفرنسى ( ) . فأنت ترى قدر الاضطراب الذى يقع من ازدواج لغة التشريع ومن عدم اضطراد القاعدة فى الأخذ بأى النصين ، فتارة يؤخذ بالنص العربى ، وأخرى بالنص الفرنسى . هذا إلى أن الترجمة العربية ، وهى النص الرسمى ، يقع كثيراً أن تكون ترجمة خاطئة لم تتحر الدقة فيها ( ) .
ماذا يجول بخاطرك ؟ لاتتردد !! عبّر عن نفسك .بعض الكلمات ستتدفق وبعضها سيتعثر لكنها تسعدنا مهما كانت.